و بعد إن كَبرنا اليوم , و خالط البياض لون الشعر , و زاحمت خطوط العمر ملامح الوجه , ما عاد لنا إن نلهو بألعاب الطفولة , و التي كانت في حينها مَبعثاً للسعادة والفرح للقلوب الصغيرة النقية, ألعاب غارقة بالبراءة و البساطة, غير إن لعِبنا فيها اليوم تُشكلت خطراً, فقد تَجرح , تكسر , تَقتل...و من دون إن تُريقَ نقطة دماً واحدة.
ففي صغرنا عشقنا و تعلقنا أشد التعلق ب " توم آند جيري" مُطاردات متواصلة بين الاثنين , لا تدري من المُعتَدِي من المُعتدَي عليه , فهاهو توم يُطارد جيري , و يُحِيكُ له المكائد و ينصبُ لهُ المصائد , و تارةً نرى العكس تماماً , جيري يَتسيدُ الموقف , يبسط قبضته على توم ....و هكذا هو الحال توم و جيري ....جيري و توم , تبادلٌ لا نهائي للأدوار, لا يَصلُ بكَ لنتيجة ثابتة و واضحة , طبعاً حينها لم يكن يَعنينا سوى الاستمتاع بمقالب أحدهما للأخر , و الضحك ملء القلب.
إما اليوم إذا قررت إن تَسلُكَ هذا النهج في حياتك فقد تتعب, و تُرهق من حولك الذين يجاريُنك َ لعبك هذا , و قد يتخلى آخرون عنك لعدم رغبتهم بالعيش و التواصل معك من خلال هذه المنظومة اللانهائية التي تكون فاعلاً فيها و مرة مفعولاً به , و النتيجة ..لا شيء, الدوران في حلقة مفرغة , فارغة المضمون , و خُسران لوقتٍ, ناهيك عن كَمّ الانفعالات الغير مُبرره , و حالة الترقب و التأهب التي تستنزف كل خلية نابضة بالحياة داخلك , يُخَال لك إنك في حرب ...نعم هي حرب....ما كان مصدراً للمتعة و التسلية في الصغر , إذ نحن نهجناهُ في مَكبرنا صار حرباً نفسيه و تحرق الأعصاب على بُرُودتها.
قد لا يكون لك يد بالموضوع , فقد تجد نفسك و قد أُغرِقتَ في دوامة " توم آند جيري " قصراً من قِبَلِ عزيزاً على نفسك , فلا سبيل لديك سوى التصدي لمناوراته و مناوشاته بأعنف و أقوى مع الحفاظ على برودة الموقف و تجمُدهِ, و عليه بمرور الوقت ستجد نفسك و قد أصبحت محترفاً اللعب أيما احتراف , و هكذا دون إن تصل لنتيجةٍ معهُ أو مع نفسك.
هناك قاعدة جميلة جداً في الرياضيات, و هي إن أقصر مسافة بين نقطتين هو الخط المستقيم , فادّع عنك مطاردات "توم و جيري" اللولبية و أقصِد بخُطى مستقيمة لِمُبتغاك, أيما كانت ماهيتهِ.....فلصغار ألعابهم لتحلو الحياة بنظرهم ,و للكبار أساليبهم لتستوي الحياة بنظرهم .