عند الساعة الخامسة (قصة قصيرة)

 (هي)
أتهجت نحو المصعد لتعود إلى مكتبها في الطابق الثالث وهو أيضا في طريقه أليه. بادرته التحية فردها بفتورٍ معتاد, جاء المصعد , سألته بعفويه أي طابق تريد؟ أجاب بتحفظ  الطابق الرابع, تابعت…. المشكلة التي سبق و أخبرتك عنها  متى ستأتي لمعالجتها ؟ أخذ نفساً عميقا و تعابير وجهه تخبرها بأن المشكلة معقدة وهو مشغول فعلاً, ما رأيكِ لو تُذكريني بها عند الخامسة؟ نعم ….أجابت , و كرنفالٌ من الرقص و الغناء بدأ بداخلها, سيأتي لمكتبي عند الخامسة حيث يعم الهدوء أرجاء الشركة , والمكاتب شبه خاوية - لقرب انتهاء الدوام -, هو آت لحل المشكلة, لكنها صورت الموضوع كأنه موعدٌ اُخِذ في الخفاء , ليس هذا ما تسعى إليه …….ألا أنها تحلم فقط , وما ضاعف  فرحتها أنها ستهاتفه لتذكره بالموعد , فسماع صوته عبر الهاتف يشكل لديها لذةً لا تقاوم.
وميضٌ في غرفة المصعد , و أهتزازت  قويةٌ بعض الشيء, آه لقد تعطل المصعد بنا ! قال. أصابتها حالة من الجمود ,اختلطت  مشاعرها , فهي حائرة بين طبيعتها المعروفة بالهلع و الذعر لأتفه الأسباب - و حالة كهذه في تقدير المحيطين قد تفقدها وعيها- و بين ضرورة تماسكها أمامه ربما شكلت هذه الحادثة نقطة فاصلة بحياتها. حاول أن يهدئ روعها بأسلوب خلا من اللهفة و الخوف عليها , برودتهُ زادت من حدة تجمدها و أضافت زيتا إلى فتيل  النار المتقد, وكل ما فعلته أنها أومأت برأسها .ضغط على أحد الأزرار ليتحدث إلى موظف الاستقبال فبادره الموظف بالسؤال عنها , و تعالت الأصوات تسأل بخوف عليهما و عليها بشكل خاص……….طمأن الجميع أنهما بخير  أستفسر عن سبب تعطل المصعد . و كان الجواب أن أحد الكوابل قد أنقطع  و العمل جارٍ على إصلاحه  , و هو تحت السيطرة  .  إصرار الموظفين على التحدث إليها بشكل مباشر أذاب شيئا من التجمد الذي لُفت به. اقتربت من السماعة و بصوت هادئ  طمأنت الكل عليها  ,أطرقت رأسها  محدقةً بأرضية المصعد, مع دمعة خرجت عنوةً من جنبات جفونها….ما لبثت  أن عادت إلى تمالك نفسها و لعل ما حدث منذ قليل أثار شيئاً من الغيرة في نفسه أو نبههُ إلى ضرورة التلطف معها بالكلام, ألا أن الصمت كان سيد الموقف , تمنت لو أنها أظهرت شيئاً من انفعالاتها  , ربما أثارت دموعها و تعابير الخوف على وجهها  الطفولي  دواخلهُ , "لا هذه  فكرة سيئة ,لم أصل لهذه الدرجة من اليأس لأستجدي عواطفه " . لذا بقيت على جمودها البركاني.ها قد بدأ المصعد بالتحرك , وصل إلى الطابق الأخير  , فُتحَ الباب استقبلتها صديقتها بفرحة غامرة و دافئة ,هدأت من روعها, تسربت دمعة أو اثنتين , أخذت نفسا عميقا و عادت إلى توازنها المصطنع.
الحمد لله على السلامة, من هنا ؟ هل أنت بخير ؟من هناك,هل لازلتِ تتنفسين ؟
في غمار هذا كله ,مر من جانبها وهمس لها حمداً لله على السلامة.عيناهُ كانت في الناحية الأخرى منها  أما قلبه فلا احد يعرف. بعد هذا اليوم الطويل عادت لبيتها , كابدت  ليلها الطويل بقليل من الصبر و كثير من الدمع  , و قررت أن تدون ما حصل لها  و هذا ما كان.



(هو)

ها هي مُقبله تجاه المصعد, لم أرها منذ مدة , أه لدي عمل بالطابق الرابع. توجه نحو المصعد , تفاجأ بمُبادرتها له بالتحية وأنها تواصل التحدث إليه بسلاسة,أين ذهب ارتباكها , و خجلها اللذان يعتريانها في حضوري؟! ما بال تلك العينين اللتين عهدتهما حائرتين , هادئتين مستقرتين ؟ كان يرد على أسلتها دون وعي, ولا  تركيز فما يشغل باله  أكبر و أعظم . هل فتر  ذلك الانجذاب الذي يشعر  به  في كل لقاء خاطف بينهما؟ عذوبة ارتباكها  ,حرارة الخجل في وجنتيها , أأصبحت ذكرى؟! غرق في دوامة مخاوفه , استيقظ  منها على صوت ارتجاج  في غرفة المصعد, "آه لقد تعطل المصعد بنا ! "
في وسط تخبطه و تشتته , حاول بأسلوب عقيم  أن يمتص الخوف الذي بدا ظاهراً عليها  , فهو مشلول التفكير أضاع أبجديته بما فيها , هدوؤها و توازنها  أضعفا من سطوة حضوره ,لقد أضاع لذة لطالما أججتها  انفعالاتها.
في محاولة لمعرفة سبب تعطل المصعد ,تعرض لصدمة أخرى , صدمة سَببَها من كان يتحدث إليهم عبر سماعة المصعد, فالكل يسأل عنها و يطلب التحدث إليها يطمئنها و يحاول التخفيف عنها, "وأنا أقرب ما أكون  إليها  أقف حائرا مشتتا , تخونني الكلمات و تخرج مني على غير ما أحب و أرغب", " من أين أتت بالصلابة , أو التظاهر بها –لا أعرف - ؟ سكونها يستفزني , لم تبكِ و تهلع خوفا , لم تظهر شيئاً  من احتياجها إلي؟! لا…, حمداً لله أنها بقيت صامدة  ..وإلا فلن أتمكن من صد توجه مشاعري نحوها, فكم أنا محتاجٌ لاحتياجها  لي!! "
لقد تحرك المصعد أخيرا , فُتحَ الباب وفور خروجها ارتمت بأحضان صديقتها والكل تحلق حولها  يحمد الله على سلامتها, وقف جانبا وتمنى لو أنه هو من احتضنها و هدّأ من روعها ,"لم أكن سأُبالي بتلك الدموع لو بللت قميصي و تركت  آثاراً من الكحل عليه, يا لعينيها و يا لجمال كُحلها  الرباني! "
توجه إليها و أرسل عيونه بعيداً و قلبه أبعد "حمداً لله على السلامة " قالها على عجل و انصرف.
وبعد هذا اليوم الحافل عاد مثقلاً بالهموم لبيته , لزم غرفته أخرج علبة سجائره وأخذ يشعل واحدة من أخرى, وفي كل مرة ينفث الدخان فيها كان يحمل تلك السحابة شيئاً مما يختلج في نفسه، ألا أن ما في داخله ما برح يزداد و يزداد, فقد بث هموم هواهُ للهواء , و الهواء لا يحمل الهوى على محمل الجد و كيفما تحرك يحركهُ معه.


(هي و هو )

هربت بأحزانها و أفكارها المتشابكة إلى النوم بعدما أرهقت عينيها بالبكاء, ربما كانت عيناها أضعف ما فيها. كانت يقظة  في نومها أكثر من يقظتها في صحوها , حلت تشابك أفكارها, أخذت قرارها , كل هذا في غمار نومها.
مع انتهاء آخر سيجارة في حوزته استسلم للنوم…..غرق سريعاً في بحرهِ .
**********************
أنها الساعة الخامسة, إلا أنها الخامسة فجراً , استيقظت لتنفذ ما كان لها في نومها من قرارات, غَلبَت صوت غريزتها كامرأة على صوت العقل و الاتزان اللذين يغلفانها , قررت أطلاق تلك المرأة المجردة من كل شيء إلا من  أنوثة  مظهرها  الخارجي
**********************
أستيقظ من نومه متثاقلاً أراد النوم ولو  لخمس دقائق أخرى ألا أنه  تناول قهوته على عجل وخرج مسرعاً , فما عاد لديه شيءً من السجائر!!
**********************
ذهبت للعمل مشرقه ,مبهرة , ُذبول  عينيها تحول لتألق , مرتبة أنيقة كالمعتاد  غير أنها اليوم طاغية الأنوثة
**********************
وفي طريقه للعمل أخذ يفكر  ؛ ما حدث البارحة مجرد طفرة في سلوكها؟  فهي لن تقوى على هذه الثقة و الاتزان طويلا !! " لابد من عودة خجلها و ارتباكها ……… لا يمكنها تجاهل حضوري!!" , وكيف لها ذلك ؟؟!!!!" , مجرد محاولة فاشلة منها لا يمكن لتلك العينين ألا أن تحارا برؤيتي , وتتفادي لقاء عيني ما أمكن , كيف لها ذلك ؟؟!!"
أخذ نفسا عميقا أخرجه مع ابتسامة الواثق بأنها لا يمكنها ذلك, وما كان البارحة كان و لن يكون بعد اليوم .
**********************
زملاؤها في العمل يأتون تباعاً لمكتبها للاطمئنان عليها  , الكل لاحظ مدى الإشراق الذي تتحلى به اليوم , وهي كل ما أرادته أنت تبدو غاية في الجمال , أن تلفت نظره كامرأة  , وأن يلتفت إليها كرجل , وأن تظهر في نفس الوقت  بعيدة المنال وفي حالة من عدم الاكتراث.
فأن لم يُقدّرها كإنسانه بما تحتويه من مشاعر وأفكار ومبادئ و…………..
فأنها ستريه قَدرهُ هو بسلاح طالما عرف طريقه في النجاح على مر التاريخ ……………أنوثتها المجردة .

هناك 5 تعليقات:

  1. جميله جدا حاله التدوينه دى واسلوبها
    وطريقه المزج فيها بين احساس الانثى والذكر كلاً على حدا

    دمتِ مبدع :)

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً جزيلاً لك Bent Men ElZman Da!!7 سعيده أنها نالت إعجابك..شكراً :)

      حذف
  2. صراحة ..كتير اوى فكرت ..اكتب عن احساس الطرفين فى نفس اللحظات..بس اصلا كان القلم مخاصمنى ..بس بجد تسلم ايدك واستفدت جدا من اسلوبك
    أجمل حاجة كلامك انه حمّل هواه الهواء والهواء لا يحمل الهوى على محمل الجدّ
    تسلم ايدك

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً osama elhawy7...هي فعلاً شيء مرهق أنك تحاول توصف مشاعر شخصين لنفس اللحظه و خصوصاً لو كانوا من جنس مختلف(رجل و إمراءه)...و إن شاء الله تلاقي النجاح في خوض تجربه لمثل هذا النوع من الكتابه...شكراً لك :)

      حذف